آخر الأخبار

الخطية الأصلية - عقيدتنا الأرثوذكسية

 الخطية الأصلية

الخطية الأصلية هى واحدة من العقائد التى تأصلت فى الكنيسة بشهادات آبائها الأوائل ، ومن حين لآخر يظهر البعض ليشكك فى وراثة خطية آدم الأولى التى أدت إلى أن يصير كل نسله خطاة فيه .


👈 إن الإيمان بتوارث الخطية الأصلية من الأهمية .. بحيث أن إنكار ذلك يعنى هدم لعقيدة الفداء الذى تممه رب المجد يسوع المسيح ، الفداء الشامل لكل البشر من آدم إلى آخر الدهور ، واستهانة بالحكم الإلهى على الخطية . فلماذا كان ابن الله يتجسد ويحمل خطايانا ويموت بدلا منا أبشع ميتة على الصليب لو لم تكن خطية آدم اجتازت إلى جميع نسله فى كل العصور؟

خطية أبونا آدم


👈 لماذا كان هذا التدبير الفائق للعقل البشرى الذى يجسد محبه الله الفائقة الإنسان ، لو ان البشر كانوا يولدون أنقياء بدون خطية موروثة ؟ لماذ الفداء لو كان الأمر انتهى بموت آدم عقابا لخطيته ثم كل من جاء من نسله جاء نقيا ؟ لماذا أسس لنا الأسرار بداية من المعمودية لكى تغفر فيها الخطية الموروثة ، ثم الاعتراف لمغفرة خطايانا الفعلية بعدها ، بل وجسده ودمه الأقدسين لنثبت فيه وننال الحياة الأبدية التى أرادها الله لنا حتى قبل أن يخلقنا ؟

👈 بل القول بعد وراثة الخطية فيه أيضا طعن فى عدل الله . فإذا كان الله حكم بالموت على الإنسان بوجه عام رغم أن ليس الجميع أخطأوا ، فهذا يتنافى من عدله . ولكن إن كنا نؤمن أن الله عادل ، وهو العدل المطلق فلابد أن الحكم بموت الإنسان كخاطئ وليس آدم وحده هو حكم عادل.

👈 فالكتاب المقدس واضح فى ان السبب هو أننا كنا فى صلب آدم حين أخطأ كما كان لاوى فى صلب أبينا إبراهيم حين أعطى العشور لملكى صادق ، فحُسب أنه أعطى العشور من خلال أبين إبراهيم ، وأيضاً نال البركة من ملكى صادق من خلال أبينا إبراهيم ، هكذا صار سبط الكهنوت اللاوى الذى نال البركة من كهنوت ملكى صادق الذى يمثل كهنوت السيد المسيح الكاهن إلى الأبد .

👈 هذا ما تعلمه لنا الكنيسة قويمة الإيمان ، وما تسلمناه من الآباء الأوائل الذين تصدوا بكل حزم لأى انحراف فى الإيمان ، وقد تصدى آباء الكنيسة بعدهم فى عصر لهذه التشكيكات بالرد الموثق كتابيا وآبائيا ، كما تصدى فى العصر الحديث أبينا مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث لهذا التشكيك وكل الانحرافات الإيمانية التى ظهرت من أفكار تعارض وراثتنا للخطية الأصلية وتقصرها على أننا ورثنا فقط نتائجها ، الطبيعة الفاسدة والموت ، لذلك تصدت الكنيسة لهذه الانحرافات بكل آبائها موضحين ومفسرين آيات الكتاب المقدس التى لا تحتاج أصلا إلى تفسير لشدة وضوحها ، ولكن رغبة فى تصحيح المفاهيم حتى لا تنتقل لأجيال تالية مشوهة ، قدموا كل توضيح وتوثيق كتابى وآبائى لهذه العقيدة الأساسية .

👈 ينادى البعض بأنه لاذنب لنا فى خطية آدم فلماذا نرثها بنتائجها. وينادى البعض بأننا نرث فقط نتائج الخطية، أما الخطية الجدّية فلا نرثها ، كما أن كل إنسان له حريته الخاصة ومسئوليته الخاصة فلا يمكن أن يرث الإنسان خطايا أبويه الشخصية؛ لأن الكتاب يقول "اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ" (حز 18: 20).

أولا : الأساس الكتابى للخطية الأصلية

1)   سفر التكوين : الإصحاح الثانى والثالث عن خلق الإنسان والسقوط والعقوبة .

2)   سفر المزامير : هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي. ( مز 5:51 )

3)   سفر أيوب : مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُو، أَوْ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟ ( أي 14:15 )

4)   سفر الحكمة : إذْ لَيْسَ الْمَوْتُ مِنْ صُنْعِ اللهِ، وَلاَ هَلاَكُ الأَحْيَاءِ يَسُرُّهُلأَنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَ الْجَمِيعَ لِلْبَقَاءِ؛ فَمَوَالِيدُ الْعَالَمِ إِنَّمَا كُوِّنَتْ مُعَافَاةً، وَلَيْسَ فِيهَا سُمٌّ مُهْلِكٌ، وَلاَ وِلاَيَةَ لِلْجَحِيمِ عَلَى الأَرْضِ (حك1: 13-14)

5)   سفر سيراخ : مِنَ المَرْأَةِ ابْتَدَأَتِ الْخَطِيئَةُ، وَبِسَبَبِهَا نَمُوتُ نَحْنُ أَجْمَعُونَ. ( سي 33:25 )

6)   الرسالة إلى رومية : مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ. لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَم. فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا. (رو5 :12-19 )

7)   الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس : فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِلأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. ( 1كو15 :21-22)

8)   الرسالة إلى أفسس : الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلًا بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا . (أف 3:2 )

 

طرد آدم من الجنة

ثانيا : مفهوم الخطية الأصلية فى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية

👈 المقصود بالخطية الأصلية خطية آدم الإنسان الأول ، وتسمى أيضاً الخطية الجدية نسبة إلى جدنا الأول الذى ورثها لنسله ، فأصبح كل البشر متورطين فيها بولادتهم منه .

👈 وهذا المفهوم واضح دون ادنى تفسير فى كلمات القديس بولس الرسول فى رسالته إلى اهل رومية (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ. لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى،وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَم ) رو 5: 12-14 ، فهنا من اواضح أن بآدم دخلت الخطية ثم الموت كنتيجة ، وليس فقط النتيجة .

👈 ويعلمنا قداسة البابا شنودة الثالث فى رد واضح على سؤال يتعلق بوراثة الخطية ، أن الإنسان ورث كلا من الخطية والطبيعة الفاسدة فيقول : أستطيع ان أقول ورث كليهما . أنظر ماذا يقول القديس بولس الرسول فى رسالته إلى اهل رومية (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ ) رو 12:5 ، لاحظ عبارتي " دخلت الخطية إلى العالم " ، " أخطأ الجميع " . ويقول أيضاً : " بخطية واحد مات الكثيرون " (رو15:5) وكذلك " بخطية الواحد قد ملك الموت " (رو17:5) ، " وبخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة " (رو18:5) وانظر بالأكثر إلى هذه العبارة الواضحة " بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة " (رو19:5) .

👈 هذا لا يتكلم عن فساد الطبيعة البشرية ، وإنما عن خطية الواحد ، ومعصية الواحد ، وعن خطية واحدة وبسببها اجتاز الموت إلى جميع الناس . أما عن الفساد فتعبر عنه عبارة " دخلت الخطية إلى العالم " (رو12:5) .


وفى النهاية لعلك تقول : وما ذنبنا نحن ؟ فأجيبك بأمرين :

1)   لقد كنا فى صلب آدم حين أخطأ ، فنحن لسنا غرباء عنه وإنما جزء منه ، وبنفس التفسير يتحدث بولس الرسول عن أفضلية الكهنوت الملكى صادقي على الكهنوت الهارونى ، بان هارون " كان بعد فى صلب أبيه حين استقبله ملكى صادق " (عب10:7) ، وكذلك حينما بارك ملكى صادق إبراهيم كان هارون فى صلبه . وعندما دفع العشور لملكى صادق كان هارون فى صلبه (عب7)

2)   عملية الفداء تحل مشكلة كبيرة " ما ذنبنا نحن " :

أذكر أيضا قول داود النبى فى مزمور51 " هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" إن الزواج مكرم ، وهو سر من أسرار الكنيسة ، ولكن أمهاتنا ولدتنا والخطية الأصلية فيهن .. وإلا فإننا نسأل سؤال عقيديا هاما هو :

لماذا نعمد الأطفال ؟👇👇👇

لأنهم ورثوا الخطية الأصلية الجدية ، وعاقبتها الموت . والإنسان الكبير السن حينما ينال سر المعمودية ينال غفران الخطية الجدية التى ورثها عن جديه آدم وحواء ن وأيضا الخطايا الفعلية التى ارتكبها قبل المعمودية بسبب فساد طبيعته البشرية .

وقد سار آباء الكنيسة ولاهوتيها نفس المسار ولهم نفس الفكر .

وهكذا فهمت الكنيسة من العصور الأولى ارتباط خطية الانسان والموت الخاضع له بخطية الإنسان الأول ، فالسبب كما أوضحنا هو أننا كنا فى صلب آدم حين أخطأ . فنحن اخطأنا فيه ، كما تبررنا فى المسيح .

ولهذا أيضا تعطى المعمودية لمغفرة هذه الخطية الموروثة ، فتعطى حتى للأطفال الذين لم يعرفوا الشر وليس لهم خطايا شخصية .

أقوال الآباء والمجامع المقدسة عن الخطية الأصلية

     👈 قرارات مجمع قرطاجنة عام 418م فى القانون 2 (110)

"إن قال أى إنسان أن الأطفال حديثى الولادة لا يحتاجون إلى معمودية، أو أنهم يجب أن يعتمدوا لغفران الخطايا، لكن ليست فيهم "أية خطية أصلية موروثة" من آدم لابد أن تغسل بحميم الميلاد الجديد، وفى حالتهم هذه لا تؤخذ صيغة المعمودية أنها "لغفران الخطايا" بطريقة حرفية، إنما بطريقة رمزية، فليكن محرومًا؛ لأنه وفقًا لرومية 5: 12 اجتازت خطية آدم إلى الجميع."


👈 ويقول القديس كيرلس السكندرى (378-444م)

"وهكذا صرنا نحن أيضًا "وارثين" للعنة فى آدم، لأننا بالتأكيد لم نعاقب كأننا عصينا معه الوصية الإلهية التى استلمها، ولكن.. لأنه صار مائتًا فقد نقل اللعنة إلى البذرة التى ولدها. نحن أموات لأننا نبعنا ممن هو مائت." 
ويقول أيضا"لذلك تعاقدت الطبيعة البشرية مع مرض الخطية خلال معصية إنسان واحد وهو آدم. وبهذه الطريقة صار كثيرون خطاة – ليس كأنهم تعدوا مع آدم (لأنهم لم يكونوا موجودين) ولكن لأنهم من طبيعته التى سقطت تحت ناموس الخطية...

👈 كتب القديس أثناسيوس الرسولى (296-373م)

"لأن آدم حينما تعدى بلغت خطيته إلى كل إنسان، وحينما صار الكلمة إنسانًا هزم الحية، وبلغت قوته العظمى إلى كل البشر".

👈 أقوال القديس ساويرس الإنطاكي:

"وكما أننا حينما نبشر بفضل القيامة نبين أن بها قمنا من سقطة الخطية القديمة، هكذا في اليوم الأربعين من قيامة مخلصنا من بين الأموات إذ صعد على عرش ملكه الموضوع" عظة الصعود للقديس ساويرس الإنطاكي، مترجم عنها الفرنسية من الكتاب الأول من الجزء الثاني من مجموعة "الآباء الشرقيين" العظة رقم 71، ترجمة الشماس المتنيح يوسف حبيب

             👈 القديس مار يعقوب السروجي:
"فالفادي أفتدى العالم بذاته، بدمه الذكي وموته على الصليب صار قرباناً لوالده ولم يرش دم حيوانات مثل اللاويين، كان هو نفسه الذبيحة وقدم ذاته في بيت القربان وهى أسمى وأقدس وأغلى من كل ذبيحة أخرى، بآلامه أنقذ البشرية وصالحها مع آبيه السماوي.




إرسال تعليق


أحدث أقدم

نموذج الاتصال