بعد ان سردنا فى الجزء الأول مكانة المرأة فى المسيحية ، ودور المرأة فى المجتمع ، وقد كرمها الكتاب المقدس حين خلق الله حواء من ضلع آدم وقد تكونت حوّاء من جنب آدم ، كما ذكرنا أسماء كثيرة منهن كرمهم الكتاب المقدس ودورهن فى الخدمة فى كلا من أسفار العهد القديم والعهد الجديد .
نأتى الآن الى هو رأى الكنيسة فى كهنوت المرأة متمثلاً فى رأى قداسة البابا شنودة الثالث ، ورأى الأنبا أغاثون اسقف كرسي مغاغة وأيضا قوانين الكنيسة فى هذا الشأن .
للإجابة عن سؤال رأى الكنيسة الأرثوذكسية فى موضوع كهنوت المرأة سيكون من خلال الرسالة التى أعدها قداسة البابا شنودة الثالث عن رأى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى موضوع منح الكهنوت للنساء ، وأرسلها إلى مؤتمر لامبث للأساقفة الأنجليكان فى انجلترا سنة 1988 ، وأهم ما جاء فيها :
1- عدم قيام المرأة بالتعليم في الكنيسة:
وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول: "لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع. ولكن لست آذن للمرأة أن تُعلّم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت. لأن آدم جُبل أولًا ثم حواء. وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي. ولكنها ستخلص بولادة الأولاد إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل" (1تي 11:2-14).ونلاحظ أن تعليم القديس بولس الرسول في هذا المجال قد قدم تبريرًا لهذا المنع لا علاقة له بالظروف الاجتماعية السائدة في ذلك الزمان ولا بالظروف الخاصة للكنيسة التي كان يرعاها تلميذه تيموثاوس، بل استند إلى أمور تخص الرجل والمرأة منذ بداية الخليقة وحتى قبل خروج آدم وحواء من الفردوس بسبب الخطية.
فإذا علمنا أن المرأة لا ينبغي أن تعلم في الكنيسة فمن باب أولى لا يجوز منحها درجات من درجات الكهنوت حيث أن الكاهن يمارس خدمة الأسرار إلى جوار التعليم وقيادة الكنيسة في حدود مسئوليته.
2- الرجل هو رأس المرأة حسب تعليم الكتاب المقدس:
يقول القديس بولس الرسول "أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب. لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضًا رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء" (اف 5: 22-23).كيف يمكن تطبيق هذا التعليم في حالة منح الكهنوت للمرأة؟ كيف تخضع لرجلها في كل شيء إن كانت هي التي تقوم بعمل القيادة والرعاية والتعليم؟ المفروض أن الخراف هي التي تخضع لراعيها والتلاميذ لمعلمهم والأفراد لقائدهم والأبناء لآبائهم.
نحن نقرأ أيضًا: "ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح وأما رأس المرأة فهو الرجل. ورأس المسيح هو الله. لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل" (1كو11: 3، 8، 9).
لا يستطيع أحد أن ينكر أن عمل الكهنوت هو امتداد لعمل المسيح الخلاصي على الأرض. ولهذا فالكاهن يمثل السيد المسيح في رسالته الخلاصية. وقيل عن السيد المسيح أنه رئيس كهنة وليس رئيس كاهنات.
ومن جانب آخر نلاحظ أنه لم يكن بلا ترتيب أن جاء السيد المسيح رجلًا وليس امرأة، لهذا يقول الكتاب "يسوع الناصري رجل وقد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب آيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضًا تعلمون" (أع2: 22). كل طفل يولد من الممكن أن يكون ذكرًا أو أنثى أما السيد المسيح فقد ولد ذكرًا إذ هو رئيس الكهنة الأعظم. وله الأبوة الروحية والرئاسة على الكنيسة كلها إذ هو رأس الكنيسة لهذا قيل عنه "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام" (إش 9: 6، 7). فالوحي الإلهي هنا يعلن بوضوح أن هناك علاقة وثيقة بين الأبوة والرئاسة والقيادة والإرشاد.
3- لم يسبق في التاريخ أو التقليد مثل هذا الكهنوت للمرأة:
السيد المسيح نفسه اختار رسله من الرجال ولم يختر بينهم امرأة واحدة ولا على سبيل الاستثناء. بل سلم الكنيسة لاثني عشر رجلًا، ثم أرسل إرسالية من سبعين رجلًا، وأوصى بالكنيسة لتلاميذه (مت 28) و(مر16) وكلهم من الرجال. كذلك الآباء الرسل لم يختاروا امرأة واحدة لتصير كاهنة بل أقاموا جميع خلفائهم من الرجال فقط بلا استثناء واحد.4- العذراء القديسة مريم وعلاقتها بالكهنوت:
العذراء مريم وهي أقدس إنسانة لم تتول أي عمل من أعمال الكهنوت ولو كان يحق الكهنوت للمرأة لكانت هي أولى من غيرها في كل زمان ومكان.الذين يطالبون بالكهنوت للمرأة عليهم أن يتأملوا عمليًا مثال العذراء مريم، التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة وساهمت في تنشئته -وهو رئيس الكهنة الأعظم- لكنها ظلت محتفظة بدورها الطبيعي كأم ولم تطالب بالكهنوت على الإطلاق.
5- الإفخارستيا والكهنوت:
نلاحظ أن السيد المسيح قد سلم تقديس الإفخارستيا لتلاميذه الرجال الذي كلمهم حوله على مائدة الفصح وقال "اصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19).6- منشأ الكهنوت:
حين أمر الله موسى أن يأخذ اللاويين الذكور بدلاً من أبكار بنى إسرائيل وجود فرقًا في العدد مقداره 273 ذكرًا .... أى أن عدد ذكور اللاويين أقل من المفروض (وهو 22273 فردًا) بمقدار 273 حينئذ طلب الرب عنهم خمسة شواقل فضة لكل رأس (عد3: 40-47).فلو كان من الممكن منح الكهنوت للمرأة لكان الأولى أن يأخذ هذا الفرق من بين الإناث اللاتى ولدن قبل باقي أخوتهن.
7- الكهنوت هو للرجال فقط:
نلاحظ أن أنواع الكهنوت التي قدمها لنا الكتاب المقدس كلها من الرجال. سواء كهنوت الآباء البطاركة الأول مثل نوح وأيوب وإبراهيم وإسحق ويعقوب، أو الكهنوت الهاروني، أو كهنوت ملكي صادق، أو كهنوت الرسل وخلفائهم من الأساقفة كله كهنوت رجال وبهذا يكون كهنوت المرأة هو ابتداع في الدين.8- انقسامات في الكنيسة:
لاشك أن هذا الابتداع في الدين سوف يكون سببًا في حدوث نزاعات تؤثر في وحدة الكنيسة. سواء وحدة الكنيسة الأنجليكانية داخليًا، أو في علاقتها مع الكنائس الأخرى. وهنا نحب أن نقول أننا كنا نتطلع نحو مزيد من التقارب بين كنائسنا لا إلى مزيد من التباعد.9- نتائج المبالغة في إعطاء حقوق للمرأة خارج إطار تعليم الكتاب:
نحن نرى العالم يندفع مسرعًا نحو تعديل ما يختص بالتعليم الكتابي. حتى وصل الأمر بالمدافعين عن حقوق المرأة إلى محاولة فرض الأنوثة على اسم الله نفسه. ومنع كلمة (أبانا) أو (أبوكم السماوي) وهنا تغيير للكتاب في مواضيع عديدة يختص بعضها بالأقانيم الإلهية وعلاقتها ببعضها، مثل علاقة الابن بالآب السماوي ويختص بعضها بالفداء وعمل المسيح الكفاري وأبوته الروحية كرئيس كهنة.10- عقبات عملية :
هناك عقبات عملية بالنسبة للمرأة في فترات الحمل والولادة والرضاعة الأمور التي تأخذ بسببها بعض النساء الموظفات عطلات طويلة من وظائفهن. وربما يؤدى الانشغال بعمل الكهنوت إلى إهمال وظيفة ربة البيت تمامًا بما في ذلك تربية الأطفال.ويقول أيضا الأنبا أغاثون أسقف كرسي مغاغة والعدوة ورئيس رابطة خريجى الكلية الإكليريكية فى هذا الموضوع :
يدعى البعض من الناس انه من خلال سلطان الحل والربط ، اللمنوح من الله والاكليروس يمكنه أن يشرع ، ويعطى المرأة مالم يشرعه الله لها ، من عطايا :
1) حقيقة أننا لا ننكر أن الله أعطى للآباء الرسل وخلفائهم من الآباء البطاركة والآباء الأساقفة ، سلطان الحل والربط قائلا لهم " الحق أقول كل ما تربطونه فى الأرض ، يكون مربوطاً فى السماء ، وكل ما تحلونه على الأرض ، يكون محلولاً فى السماء " مت 18:18 .
وفى موضع آخر يقول الكتاب " من غفرتم خطاياه تغفر له ، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " يو 23:20 .
2) إلا أن هذا السلطان الالهى الممنوح من للآباء الرسل وخلفائهم من الآباء البطاركة والآباء الأساقفة ، هو ليس سلطانا من غير حدود ، بل هو سلطاناً له حدود وضوابط وذلك :
أ) طبقا لوصايا الله وتعاليمه ، التى وردت فى الكتب المقدس ، والتقليد المقدس - الايمان المسلم مرة للقديسين - والقوانين الكنسية - وما جاء فى المجامع المحلية والمسكونية ، المعترف بها فى كنيستا ، من قرارات وقوانين . بالاضافة إلى ما جاء فى تعاليم الكنيسة الجامعة ، من قبل الانقسام - وتعاليم كنيستنا ، وبقية تعاليم الكنائس الشقيقة ، التى ثبتت على الايمان المستقيم ، ولم تنشق عليه سنة 451م .
ب) إذا سلطان الكنيسة ، أى الاكليروس ، هو فى حدود ما ورد فى هذه المصادر التشريعية والتعليمية ، والقانونية والليتورجية. إذا ما شرعه الله ، تشرعه الكنيسة أى الاكليروس ، وما لم يشرعه الله ، لم تستطع الكنيسة أى الأكليروس تشريعه ، لا فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل ، وهذا هو الخلاصة ، والتعليم الأرثوذكسي الصحيح .
جـ) إذا الكنائس التى لديها سلطان كهنوتى أو التى ليست لديها ، وأعطت المرأة الكهنوت الخاص والقيام بأعماله ، سواء كان فى درجة ورتبة الأسقفية أو القسيسية أو الشماسية ، فيعد هذا العمل عملا خاطئاً ، لأنه تم على استخدام خاطىء للسلطان الكهنوتى ، ليس فى محله .
3) فبالتالى يعد كهنوت المرأة ، كهنوتا غير شرعى وباطلاً ، وأعماله غير شرعية وباطلة ، ولا تتم ، لأن الله لم يشرعه اطلاقا .
4) لذلك كل ما بُنى على باطل ، فهو أيضا باطل ، لأنه يتعارض مع وصايا الله وتعاليمه الخاصة بسر الكهنوت المقدس ، التى وردت فى الكتاب المقدس والتقليد المقدس والقوانين الكنسية والليتورجيات .
وبناء عليه ، يعد هذا العمل بدعة من البدع الحديثة فى تلك الكنائس وبسببها يدين الله كل ما من أعطى شرعية لعدم شرعية كهنوت المرأة ، وعمله فى تلك الكنائس .
5) كما أنه يدين أيضا كل من قبلوا ويقبلون هذا الكهنوت وعمله غير الشرعى والباطل ، لأن كهنوت المرأة وعمله ، يتم شكلياً فقط ، لا واقعياً وعملياً !!
وأيضاً فى كتاب القوانين الكنسية فى إطار الموضوعية للقمص / بولس عبد المسيح - أستاذ القانون الكنسي بالكليات الأكليريكية يقول :
1) تقرر كنيستنا فى قوانينها مبدءاً هاما وهو أن النساء لايحسبن ضمن الأكليروس بمعنى أن المرأة لا تأخذ درجة من درجات الكهنوت الثلاثة بسلطانها ورسامتها ( بوضع اليد ) وقبول عطية الروح القدس فيها والقيام بمتطلباتها فى الكنيسة فهذا الأمر لو تم حدوثه فإنه يتعارض مع كلام القديس بولس الرسول القائل أن المرأة لا ترفع صوتها فى الكنيسة ( 1تى 12:2 )
2) وتؤكد قوانين الكنيسة على هذا المبدأ فورد فى الباب العشرين من كتاب الدسقولية للآباء الرسل عند التعرض إلى سر المعمودية أن نهت الدسقولية أن تقوم المرأة بهذا العمل بقولها " لأجل أن النساء لا يعمدن نحن نعلمكم أن هذا الفعل خطية عظيمة لمن يفعله وهو مخالف للناموس .. ولو كان يجوز لأحد أن يتعمد من أمرأة لكان السيد المسيح يتعمد من أمه "
3) ونفى أيضاً الآباء الرسل وضع اليد على المرأة ( الرسامة ) وورد ذلك فى القانون السادس والعشرين من الكتاب الأول بخصوص العذراء " أن الأسقف لا يضع يداً عذراء ، بل سريرتها وحدها هى التى تصير عذراء "
4) كذلك فى القانون الخامس والخمسين من الكتاب الأول للآباء الرسل نقرأ : " توضع اليد على عذراء لأنه ليس أمر من الرب ( يعنى حفظ البتولية ) هذا الجهاد إنما هو للسريرة وليس هو أنه يزدري بالزيجة بل للتفرغ لخدمة الرب . "
5) كذلك فى الكتاب الأول للآباء الرسل القانون الخامس والعشرين يقول : " إمرأة إذا أقيمت لا ترشم بل تجعل بالاسم ... تقام الأرملة بالقول فقط وتربط مع بقية الأرامل ولا توضع عليها يد لأنها لا ترفع قرابين وليست لها خدمة ( يقصد خدمة كهنوت ) لأن الرشم يكون فى الإكليروس لأجل الخدمة .. والأرملة لأجل الصلاة وهذا لكل أحد "
6) وكذلك فى القانون الخامس والخمسين من الكتاب الأول للآباء الرسل " لا توضع اليد على أرملة بل تجعل فى رتبة الأرامل "
وهذا المبدأ يمنع أن تترأس المرأة على الرجل فى الكنيسة ، لأن الرجل هو رأس المرأة ، ولذلك وضع مجمع اللاذقية فى القانون الحادى عشر خاص بهذا الأمر ونصه : " الشيخات المتقدمات كما يلقبن أو الرئيسات من النساء لا يسمح بتعينهن فى الكنيسة "
ولكن ليس معنى هذا أن القوانين تستبعد المرأة من العمل الكنسي ومن الخدمة ، فالأمر ليس يه احتقار للمرأة أو تصغير لدورها بمقدار ما هو اختلاف فى الطبيعة يملى نوعية العمل المتغير.
الجزء الأول من مقالة رأى الكنيسة الأرثوذكسية فى موضوع كهنوت المرأة 👈👈👈 أضغط هنا
المراجع :
1) الكتاب المقدس
2) رأى الكنيسة الأرثوذكسية فى موضوع كهنوت المرأة للبابا شنودة الثالث ( قدمه الأنبا بيشوى فى مؤتمر لامبث للأنجليكان سنة1988 ) من كتاب 100 سؤال وجواب فى العقيدة المسيحية الأرثوذكسية ص80
3) الحوارات اللاهوتية مع الكنائس الأخري – الأنبا بيشوى مطران دمياط
4) مقال ضد كهنوت المرأة – القمص أثناسيوس فهمى جورج
5) مقال لا كهنوت للمرأة فى الكنيسة الأرثوذكسية – القمص أثناسيوس فهمى جورج
6) كتاب ( القوانين الكنسية فى إطار الموضوعية ) القمص / بولس عبد المسيح – أستاذ القانون الكنسي( ص189-190 )
التسميات
قوانين كنسية