الشبهة :
زعم أحد الخدام الذي يخدم بكنيسة ما أن أحداث سفر التكوين وقصة خلق آدم وحواء ومعرفة الخير والشر لسفر التكوين نقلها موسي النبى من الأدب الأسطورى للحضارات القديمة مثل السومرية والبابلية ، فهل ما قاله هذا الخادم صحيح !!!
هذا الفكر الذى جاء به الخادم وللاسف يقال عنه ( خادم كنيسة ) جاء به من قراءة الكتب الغربية النقدية والغير أرثوذكسية مثل كتب الآباء اليسوعيين وكتب الطائفة الكاثوليكية ، وهذا الفكر الغريب عن كنيستنا جاء من البدعة المنتشرة فى الكنائس الغربية وهى الميثولوجيا أو ما يطلق عليه اللاهوت الجديد .
حيث يقولون أن احدى عشر اصحاح الأولى من سفر التكوين هى أساطير ( ميثولوجيا ) بما فيها قصة الخليقة والطوفان وبرج بابل .
وهذا الكلام للأسف لا يصدر إلا من الذين لا يصدقون الكتاب المقدس ويعتبرونه كتاب بشرى من صنع انسان يخضع للنقد ، وهذا الفكر ضد كلام الله فى الكتاب المقدس الذى يقول "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ" (2تى 16:3)
"لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (2 بط 1: 21).وهذا الفكر ناتج من أناس يحكمون العقل وينكرون المعجزات ، لكن المعجزات ليست ضد العقل ، ولكنها درجة فوق العقل ولا تتعارض معه.
يقولون أن موسي النبى أو كاتب سفر التكوين قد استعان بالأساطير والقصص الشعبية الموجودة فى بلاد الشرق وقتها ، وقد نقاها من بعض الأحداث لتكون متوافقة مع الايمان اليهودى بالإله الواحد الخالق .
سنتعرض الآن لمعنى كلمة ( ميثولوجيا ) : هى تسمى علم الأسطورة وهى من الفعل اليونانى ( ميثو ) ويعنى أسطورة ، والأسطورة من القصة الشعبية المرتبطة بالألهة والتى تحتوى على خرافات أو أحداث غير حقيقية ويكو ن الهدف منها إيصال مفاهيم أو أفكار معينة من خلال هذه الأسطورة مثل قصة جحا وأبنه والحمار من قصص كليلة ودمنة .
هل سفر التكوين مرتبط بالأساطير الشرقية القديمة مثل أساطير الخلق عند اليونان مثل ( ملحمة هوميروس والألياذة والأوديسة ) كصراع الآلهة والحروب بينهم والقتل والدماء ، وأمور كثيرة غير منطقية .
هل الكتاب المقدس ( كلمة الله وأنفاسه ) من الممكن أن يكون به أساطير بهذا الشكل ، وأن كاتب السفر استعان بهذه الأساطير فى كتابته .
والأمر العجيب أن بعض الذين ينادون بأسطورية أحداث سفر التكوين من الخلق والسقوط وشخصيات أبوينا آدم وحواء ، يحاولون اليوم أن يروجوا أنه كان هناك تفسير رمزى فى الكنيسة ، وأن أحداث هذه القصص لم تحدث ولكنه كان اطارا رمزيا وضع فى شكل قصة ليوصل لنا مفاهيم ممعينة مثل الخطية والسقوط .
كيف بدأت تظهر هذه الأفكار ؟
بدأت هذه الأفكار تظهر فى نهاية القرن 18 وبداية القرن 19 ، فيما يعرف بـ ( اللاهوت الليبرالى ) الذى يؤمن بنظرية تطور الكون والإنسان .
واللاهوت الليبرالى هو محاولة إخضاع الكتاب المقدس للعقل وقبول ما يتوافق معه او ما يقبله العقل ورفض ما لايقبله العقل حتى ولو كان ايمان أو عقيدة .
أهم أفكار اللاهوت الليبرالى
1) التشكيك فى الكتاب المقدس وأنكار الوحى الإلهى له والنظر اليه على أن كتاب يحتوى على أساطير تأثر كاتبيه بالثقافة السائدة وقت كتابته .
2) التشكيك فى قصص البدايات مثل الخلق والسقوط ووجود شخصيات آدم وحواء والطوفان وبرج بابل .
3) الادعاء بأن آدم وحواء شخصيات رمزية وليست قصة حقيقية ، ولكنه أطار زمنى وضع لايصال مفاهيم معينة ، فآدم وحواء هم رموز البشرية أو الانسانية كلها .
4) ينكرون أيضا المعجزات وقيامة وصعود السيد المسيح نفسه ، وأيضا أنكار الميلاد العذراوى له ، وأن السيد المسيح ليس إلا مجرد معلماً أخلاقياً صالحاً ، وقد حرف تلاميذه قصته بعد ذلك فى الأناجيل .
5) يدعون أنه لا وجود للجحيم وأن الانسان لا يهلك فى الخطية ، وليس هناك دينونة ، وينكرون أيضا الخطية الأصلية لأبوين آدم وحواء .
هل ما كتبه موسي النبى فى سفر التكوين وحى ام أساطير اقتبسها من الثقافات الأخري ؟
1) إلقاء نظرة على الأساطير التى كانت موجودة فى عصر موسي ثم نقارن بينها وبين القصة الكتابية ، ونفحص انفسنا هل يمكن أن يكون هناك وجه شبه بين تلك الأساطير المليئة بالخرافات وصراعات الآلهة والقتل والذبح والد والحروب وبين القصة الكتابية التى تحكى القصة بكل ترتيب أدبى تاريخى رائع لنكتشف منها نشأة الكون والانسان .
2) هل نبى الله موسي فى حاجة أن يلجأ إلى القصص والأساطير الشعبية وهو كليم الله ، والذى ظهر الله له متجليا فى العليقة وجبل سيناء ، وبقى مع الله أربعون يوماً ، وأخذ من الرب لوح الشريعة والتى كتب باصبع الله ( خر 18:18) وكذلك مكث موسي النبى أربعون عاماً فى برية سيناء .
3) موسي النبى الذى قال عنه الرب الإله ( فَمًا إِلَى فَمٍ وَعَيَانًا أَتَكَلَّمُ مَعَهُ، لاَ بِالأَلْغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ يُعَايِنُ ) خر 8:12
4) موسي النبى الذى شهد عنه السيد المسيح والرسل أيضا فى أكثر من موضع فى الأناجيل والرسائل فى العهد الجديد ، وأقتبس السيد المسيح نفسه كثير من أحداث سفر التكوين فى الخلق والسقوط والطوفان وسدوم وعمورة .
5) شهد السيد المسيح أن موسي النبى هو كاتب سفر التكوين ( أَفَمَا قَرَأْتُمْ فِي كِتَابِ مُوسَى، فِي أَمْرِ الْعُلَّيْقَةِ، كَيْفَ كَلَّمَهُ اللهُ قَائِلًا: أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ ) مر 26:12 .
6) تأكيد السيد المسيح على خلق آدم وحواء ( أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ ) مت 4:19
7) تأكيد السيد المسيح على أحداث الطوفان ( وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. ) مت 37:24 ، وايضا ( وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ ) لو 26:17 ، وأيضا ( بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكًا لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثًا لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبُ الإِيمَانِ.) عب 7:11
8) استعارة بولس الرسول قصة السقوط وخداع الحية ( وَلكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ.)2كو 3:11
9) اقتباس بولس الرسول لخلق وسقوط آدم (أَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلًا ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي.) 1تيمو 13:2-14
أحداث سفر التكوين هى أحداث مترابطة تبدأ قبل نشاة العالم والسموات والأرض وخلق الكون فى ستة أيام الخليقة بهذا الترتيب الرائع بدءا من خلق النور فى اليوم الأول ثم الجلد والفصل بين المياه فى اليوم الثانى ثم تجمع المياه وظهور اليابسة وانبات الأرض للعشب ثم البقل ثم الشجر كلا كجنسه فى اليو م الثالث ، وفى اليوم الرابع اكتمال الشمس والقمر وظهور النجوم والأنوار فى السماء ، وفى اليوم الخامس خلقة الزحافات والأسماك ثم الطيور ثم الدبابات وأخيراً فى اليوم السادس خلق الله الحيونات وفى النهاية خلق الانسان رأس الخليقة والمتسلط عليها كلها .
فهل هذا الترتيب المنطقى الدقيق جدا فى ذكر كل جنس سواء من النباتات أو الطيور أو الحيوانات يتشابه مع الأساطير وما بها من خرافات ، وكيف أتى موسي بهذا الترتيب الفريد فى الأحداث إن لم يكن قد أخذه من الله نفسه .
يدعى أصحاب هذا الفكر أن موسي اقتبس من الأساطير البابلية والسومرية .
معروف ان موسي كتب سفر التكوين فى برية سيناء فى فترة أربعون عاماً التى قضاها الشعب فى برية سين منعزلا عن العالم كله والشعوب الأخري وأساطيرها ، وكان الأولى له أن يقتبس من قصص الخلق المصرية حيث كان يعيش فى مصر مدة أربعون عاما ، وكما جاء عنه فى الكتاب المقدس ( فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ) أع 22:7
نظرة على بعض الأساطير البابلية والسومرية القديمة فى الخلق
1) أسطورة آلهة أبسو وتيامات فى الأساطير البابلبة : تروى ملحمة «الإينوما إليش» قصة الخلق البابلية، التى تبدأ بامتزاج «أبسو»، الذى يمثل المياه العذبة، بـ«تيامات» (تعامة)، التى وتمثل المحيطات، ليخلقا آلهة كبيرة وشديدة الصخب، منهم «أيا» وإخوته، فينزعج أبسو ويهمُّ بقتلهم، لكن تيامات ترفض وتحذره من نواياه، فيقتل أيا أباه ويصبح بعد ذلك كبير الآلهة.
يتزوج أيا من «دامكينا» وينجبا «مردوخ»، الذى يوهَب الريح كى يلعب بها، فيستعملها لصنع عواصف ترابية وزوابع، ما يعكر صفو تيامات والآلهة التى تسكن جسدها ويمنعها من النوم، لذا تقنع هذه الآلهة تيامات بالانتقام لزوجها أبسو، فيما يقنع مردوخ آلهة أخرى بالانضام إليه فى معركته ضد تيامات، فيتغلب عليها ويقتلها، ثم يشطر جسدها إلى قسمين، يصنع السماء من أحدهما والأرض من الآخر، ويخلق الإنسان من دماء «كنغو»، الزوج الثانى لتيامات.😞😞
تحكى الأسطورة السومرية عن ( إيليل ) هو الإله الذى أمر بخلق الانسان العبد ، وسمح للإله ( إينكى ) من ( أريدو ) أن يسمح له بصنع الانسان من الطين لحساب مملكة ( فينبور ) ويعطى الحياة للطين من خلال ذبح إله عاصى ثورى ( وا آيلة ) الذى آثار الثورة ، وخلط دمه وعظامه ولحمه بطين الانسان لكى يعطى للإنسان حياة 😂😂
2) كذلك فى نص أسطورى آخر يقول : يرسل ( انليل ) فيضاناً للقضاء على كل بشر وحيوان ونبات على السواء .
وكانت الهدف فى قصة خلق الانسان فى القصة السومرية ، أن يقوم الانسان بخدمة الآلهة فى الحديقة الخاصة بالآلهة وتسمى ( ايدن ) أى جنة عدن ، والحاجة إلى خلق الانسان هو احتياج الآلهة الى عبيد ليخدموهم 😂😂
واسم آدم هو كلمة ( آدومو ) بالسومرية معناها الابن السماوى أى مجازا ابن الله بالتعبير السومرى ، وفى الحضارة الآكادية السومرية يعنى آدم ( الأحمر ) ويعنى الأرض أيضاً وهو التراب الموجود فى جنة عدن وهو مادة صنع الانسان ، ويقولون أن خلق الانسان فى العهد القديم هو ان يكون عبد لله ويقدم له الصلوات مثل خلق الآلهة للانسان فى الحضارة السومرية ، أى الهدف أن يكون الانسان عبداً .
ما هى حقيقة وجه التشابه بين هذه الأساطير وأحداث سفر التكوين ؟
1) يرجع أصل الخلق إلى آدم ، فنقل آدم الى أبنائه قصة الخلق ، وجاءات أحداث الطوفان ونقلها نوح إلى أبنائه وأحفاده ، وهكذا تناقلت إلى كل الأجيال ، وهى من أصل واحد تلك القصة فى ثقافتها وحضارتها ، ولكن شابهها الكثير من التحريف والاضافات والخرافات مع منرور الزمن ، ولكن بقيت القصة الحقيقية الأصلية وهى التى دونها موسي النبى فى سفر التكوين والتى كتبها بالوحى الإلهى وبارشاد وقيادة الروح القدس بكل تفاصيلها ، بلا أى تحريف أو تخاريف .
2) وربما نقل شعب اسرائيل هذه القصة الى بابل عند سبيه هناك فى القرن السابع قبل الميلاد .
وأخيرا نختتم الموضوع بأقوال الوحى الآلهى عن صدق أحداث الكتاب المقدس
( لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.) 2بط 21:1
(كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلًا، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ.) 2تيمو 3 :16-17
(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.) رو 12:5ونلاحظ فى هذه الاية ذكر ترتيب خلق آدم ثم حواء (لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلًا ثُمَّ حَوَّاءُ) 1تيمو 13:2
وجاءت أيضا سلسلة الأنساب المدونة فى أخبار الأيام 1:1 ، والاصحاحات التالية له ، وكذلك فى انجيل متى الاصحاح الأول ، وانجيل لوقا الاصحاح الثالث .
( وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ) أع 26:17والمجد لله دائما . أمين